يوميات دكتورة النوم

في مكتب د/ طارق

في بداية مشوارى في طب النوم من اكتر من 10 سنين . كنت محتاجة حد يساعدنى في فهم رسم المخ أثناء النوم ودى كانت اكبر عقبة في طريقى.
رسم المخ اثناء النوم مش سهل وبعيد كل البعد عن تخصص الامراض الصدرية ومفيش حد من أساتذة جامعتى في ذلك الوقت كان يعرفه . فكان لازم احضر الجزء ده مع حد من دكاترة الاعصاب او الطب النفسي المتخصصين في طب النوم في جامعه أخرى (ودول كانوا يتعدوا على الصوابع وقتها).
حاولت اروح احضر في احدى الجامعات اللى سمعت انها بتشتغل في المجال ده من زمان بس رئيسة القسم هناك اشترطت انى اخد نوبتجيات عندهم في القسم لمدة 3 شهور وبعد كده تسمح لى انى احضر الصبح مع حد من دكاترة القسم زى ما أنا عايزة !!!!!....ما كنتش فاهمه انها بتحط لى الشرط ده عشان اتراجع. ولمأ سألتها طيب أيام النوباتجيات ايه؟ لان انا ليا شغلى في جامعتى في محافظة تانية ولازم ارتب جدولى مع زمايلى قالت :"مش محددة ...حانتصل بيكى ولازم تيجى في نفس اليوم. ". ساعتها فهمت ان ده رفض بطريقة غير مباشرة (رغم انى كنت رايحة لها بواسطة!!!!!).

بعدها سمعت عن د. طارق اسعد أستاذ الطب النفسي بعين شمس وانه رقم واحد في طب النوم في مصر والشرق الاوسط. طبعا كنت مترددة اروح له و خايفه ان رد فعله معايا يكون زى الدكتورة اللى قبله خصوصا ان ماعنديش واسطة او اى حد يوصلنى بيه او يوصيه عليا. وبعد فترة من التردد قلت اجرب 

روحت قابلته في جامعة عين شمس وكنت اول مرة اشوفه او اقابله. استاذ مليء السمع والبصر زى مابيقولوا. الكل يقدره ويحترمه لكن بمجرد ما تنظر في وجهه تحس انه قريب منك او انك تعرفه من زمان ....عرفته بنفسى وبظروفى وانى محتاجة اتعلم رسم المخ عشان رسالة الدكتوراه.... رد ببساطة "تعالى اى يوم تلات الساعة 11 في مكتبى وان شاء الله اقدر اساعدك"

وفعلا بدأت اتردد علي مكتب د. طارق. بانتظام .......مكتب د. طارق كان مختلف عن مكتب اى أستاذ تانى .. المكتب مليان ناس معظم الوقت ، مرضى ، أطباء ، موظفين في الكلية وغيرهم. كلهم لهم طلبات من د. طارق وهو مابيرفضش طلب حد وبيساعد الكل حتى لو على حساب وقته ودايما مبتسم .. تحس معاه بالاهتمام والأمان الكل لازم يخرج وهو مجبور الخاطر. قابلت في مكتبه خلال فترة ترددى عليه أطباء كتير غيرى جايين ياخدوا رأيه في موضوع الرسالة او للاستفسار عن حالة معينه او لطلب المساعده في بحث علمى معين.

وبرغم انشغاله الشديد الا انه كان يسيب شغله ويفتحلى جهازه و يعلمنى اسرار الشغل اللى اكتسبها بخبرته مش بس الكلام اللى ممكن اقراه في الكتب او اسمعه في المؤتمرات. لم يهتم بكونى مجرد مدرس مساعد صغير جايه له بدون توصيات من فلان او علان ولم يلتفت لكونه مش مشرف على رسالتى ولا تربطه بى اى مصلحة . فقط هو شخص يحب الخير والمساعدة لأبعد الحدود. لدرجة انه لما عرف ان عندى مشكلة في ضبط الجهاز في قسمى عشان يدينى نفس صورة رسم المخ اللى بيشرحهالى قالى "ممكن اجى اظبطه لك".....

حضرتك مش واخد بالك. ده جهاز القسم عندنا في المنوفية

قالى " انا أحيانا باروح المنوفية اتابع طالب هناك انا مشرف عليه, ممكن اعدى على قسمكم اظبطلك الجهاز."

لم اقابل مثل هذه الاخلاق ولا مثل هذا الادب والتواضع 

إحساس جميل كنت باحسه في مكتبه. هو اللى خلانى احب التخصص بعد ما كنت شايفاه صعب ومالوش مستقبل.استمر حضورى معاه لفترة مش قصيرة بعدها انتقلت الى مراحل أخرى في رحلة تعلمى لطب النوم و لفيت كتير وقعدت مع غيره من الأساتذة في مصر وبره مصر. لكنى لم اجد في مكتب اى منهم ما كنت اجده فى مكتب د. طارق من ترحيب واهتمام وباب خير مفتوح لكل محتاج بلا استثناء ويبقى الدكتور طارق أسعد الأفضل والانبل والاكرم والأكثر علما وتواضعا.

مازلت احتفظ بتسجيلات صوتية لجلساته معى وشرحه لى -اللى استأذنته انى اسجلها - رجعت اسمع التسجيلات دى من ساعة ما عرفت خبر وفاته المفاجئة وكأنى عايزة أتونس بصوته وأحس انه لسه موجود واسترجع نصايحه لى وتشجيعه المستمر وثناؤه على اجتهادى

نفسي ادخل مكتب حضرتك تانى... بس للأسف حضرتك مش حاتكون موجود. 

سلام على روحك الطاهرة. فقد علمتنى خلقا قبل ان تعلمنى علما

اللهم ارحمه واغفر له وكما كان معينا لى في الدنيا فكن اللهم معينا له يوم الحساب وارزقه الفردوس الأعلى من الجنه مع الصديقين والشهداء

#_مكتب_د_طارق_اسعد

#_فى_رثاء_استاذى

#_في_حب_د_طارق_اسعد
#_اضطرابات_النوم
#_مها_يوسف